قبيلة زعير مقصد الملوك والأمراء للصيد والنزهة


قبيلة زعير مقصد الملوك والأمراء للصيد والنزهة
150 العدد
قبيلة زعير مقصد الملوك والأمراء للصيد والنزهة والاستجمام. لقد جرت عادة الملوك والرؤساء في غابر الأزمان، أن يتخذوا أياما معينة من أيام الرياضات سلوهم وفراغهم كحصة من الزمن لمزاولة أنواع الرياضات وضروب مختلفة من ركوب متن الجياد ليمارسوا بواسطتها من الفروسية فكانوا يقبلون على ذلك بدافع وجداني وحب نفساني.
إنهم يعشقون مثل هذه الأيام ويتطلعون إلى حلولها ليجدوا فيها متعتهم وهوايتهم المفضلة، وما ذلك إلا لأجل أن ينموا في أنفسهم الروح الفكرية ويروضوا عضلاتهم الجسمية، حتى يصبحوا متدربين على الخوض في ميدان الفروسية المحببة لديهم، فيكتسبوا ما يؤهلهم للمشاركة في المعارك التي لا محالة تعترضهم في طريق حياتهم فيقتحمونها إذ ذاك عن طواعية وتبصر، وهم متصفون بالشجاعة عند اللقاء يوم رد العدوان أو تهدئة الأوطان.
بالإضافة إلى ما تقدم فإن في ذلك نوعا من تنشيط الأجسام وفيه أيضا نوع من ترويح النفس لما عسى أن يكون علق بها من الهموم وترادف الأحزان، وقد قيل: إن الفكر السليم في الجسم السليم.
فتراهم يميلون لاختيار ما يناسب لتعاطي هاته الأنواع من الرياضة أفضل الأماكن وأحسنها وأنسبها لممارسة هوايتهم، وأجود الفصول للقيام بها أقوى قيام.
ولعل أنسب الفصول الصالحة لذلك هو فصل الاعتدال وطيب الهواء، فصل تكتسي فيه الأرض أنواعا مختلفة من الخضرة والزينة بما تشيه يد الطبيعة وجه البسيطة من صنوف الرياحين والزهور والأنوار.
وبما أن أرض زعير تعتبر مستقرا صالحا لممارسة هاته الرياضة لاشتمال أرضها على الغابة التي هي مأوى للوحوش(1) البرية الغير المستأنسة ومنتدى للطيور الغابوية، ولما حباها الله من جمال الطبيعة الخلاب، وبهاء الكناظي الفتانة - لذلك كان ملوكنا الأبطال رحمهم الله يقصدونها ويتوجهون إليها لهاته الغاية، كما أنها هي المنفذ القريب إلى البلاد المراكشية، فقد كانت ولازالت هي صلة الوصل بين رباط الفتح والجبال الأطلسية المتصلة بعاصمتهم الجنوبية، فمنها تمر جيوشهم، وعلى أرضها تعبر قطر الجمال محملة بالسلع والعتاد والأثقال، فهي أخصر طريق رابطة بين الشمال والجنوب بين فاس ومراكش، ما زالت الطريق القديمة المستعملة لهذا الشأن بادية للعيان إلى الآن في جهة "ابن الحميدي" من أرض زعير، يعرف ذلك المعمرون الطاعنون في السن الذين كانوا يسافرون عبر هاته الطريق.
فهذا ملك المغرب الهمام المولى الحسن الاول رحمه الله (2) قصدها عام 1294 هـ موافق 1887 م وعيد فيها عيد الفطر "بزبيدة (3)" من بلاد زعير ولم يدخل رباط الفتح على قربه منها، ووفدت عليه هناك قبائل المغرب وأهل الأمصار فشهدوا العيد معه، وأجازهم وكساهم على العادة.
ولما فرغ من العيد عين عامل الرباط وهو القائد أبو محمد عبد السلام ابن محمد السوسي، وعين الحاج عبد الكريم بن أحمد بريشة التطواني والحاج محمد بن عبد الرزاق ابن شقرون الفاسي للذهاب إلى مدريد دار ملك الاسبنيول بقصد السفارة عنه إلى دولتهم والمكافأة على مجيء باشدورهم.
فأنت ترى من هذه الوثيقة التاريخية التي ساقها صاحب كتاب الاستقصا أن الملك الحسن الاول قدس الله روحه قد أقام بأرض زعير مدة طويلة قضى خلايا مراسيم العيد، واستقبل فيها الوفود من كل جهة، التي قدمت له التهاني العيدية، ومنها أصدر أوامره السامية بتعيين عامل الرباط ومنها وجه السفراء عنه إلى بلاد أجنبية، فهي في هاته الحقبة من الزمن قاعدة من قواعد المغرب، وقد تمثلت على أرضها مواسم وأفراح مغربية شاركت فيها الوفود من كل جهة، فلو لم تكن طبيعة الوقت والمكان مواتية لما صلحت لإقامة الملوك، وجعلها موطن نزهة لهم، ولما أطال ملك المغرب المكث بباديتها، فقد دخلت أرض زعير بسبب ذلك في تاريخ هذا الوطن العزيز.
ولم تمنع احتفالات العيد والنزهة والسفر من إصدار الأوامر التي تهم الشعب المغربي من هذا الملك الهمام المفكر العظيم، وهذه هي حالة هذا السلطان رحمه الله، كانت لا تشغله أهوال السفر ولا مشاقه عن تدبير أحوال مملكته والنظر في شؤون رعيته.
هكذا هكذا وإلا فلا لا طرق الجد غير طرق المزاح.
تلك حالته وهذه شنشنته أعرفها من أخزم، ما آب من سفر إلا وعاد إلى سفر.
وهذا أبو الجمال المولى يوسف طيب الله ثراه كان يتوجه إلى دار القائد الحاج بن عبد الرحمان الزعري البرشوي في كل مناسبة، فتقدم على شرفه حفلات الصيد ليصطاد الوحوش الموجودة هناك، ويقتنص الطيور المأكولة مثل الحجل والأرنب، فيتنزه ويقضي وطره ثم يعود إلى عاصمة مملكته، يفعل ذلك في كل مناسبة، وكانت تعجبه الإقامة والنزهة بعيون ماسي(4)
وهكذا نهج نهجه وسار على سيرته ولده ملك المغرب سيدي محمد الخامس قدس الله روحه، فإنه كثيرا ما يتردد على ولد القائد المتقدم الحسن بن بوعزة الزعري البرشوي، فتنصب له الخزانة الرفيعة، وتحاط بالخيم الزعرية بقصد النزهة والصيد والاستجمام، فيقضي يومه في نشاط وسلو ويعود في العشي إلى قصره العامر بالرباط، وكانت له صلة متينة بالقائد الحسن رحم الله الجميع، الأمر الذي كانت السلطة الفرنسية غير مرتاحة (5) لمثل هذه الضيافات المقامة من أجله لاسيما في أيام اشتداد الأزمة المغربية، فكانت المراقبة المحلية تتظاهر بالعداوة له ولمن له شديد اتصال به.
أما باقي قواد زعير فكانوا يقيمون حفلات صيد الحلوف لرؤساء النواحي ومن شاكلهم وذلك بمشاركة معمري زعير المستولين على الإقامة العامة إذ ذاك فيرقصون ويسكرون ويصيدون ويرجعون في العشي فرحين بكثرة اصطيادهم للحلوف، ويتباهون فيمن يكون نصيبه أوفر.
هذه هي الحالة في أيام الاستعمار الفرنسي، أما في فجر الاستقلال فقد هيأت يوما مشهودا لصاحب السمو الأمير المحبوب ولي عهد المملكة المغربية إذ ذاك، جلالة الملك الحسن الثاني نصره الله وأيده، وذلك في شهر مارس من سنة 1956م.
ففي صباح يوم أحد أقبل هو وحاشيته المؤلفة من بعض الوزراء أصحاب السيادة: رضا اكديرة ومحمد الشرقاوي وعبد الهادي بوطالب والتهامي الوزاني والدكتور محمد بن بوشعيب وأحمد بن سودة وغيرهم ممن له شديد اتصال بالمولى الحسن.
فكان الاستعداد لائقا بمقامه، إذ توجهت صحبة عدول المحكمة وبعض الأصدقاء من وجهاء القبيلة في سيارات خصوصية لاستقباله والسلام عليه بالمحل المعروف بالطالعوك البعيد(6) عن داري الموجودة بالرماني بنحو كلم 5، فبعد السلام عليه والترحيب بمقدمه الميمون تقدمت سيارتنا أمامه لإعلام القبيلة بوصوله، وهكذا شق الطريق بين صفوف المستقبلين لطلعته الهاتفين بحياته وحياة والده الملك الهمام محرر المغرب وبطل الاستقلال سيدي محمد الخامس طيب الله ثراه.
وقد قصد موكبه داري التي كانت مرتدية معالم الزينة تتخللها الأعلام المغربية، وطرزت جدرانها بصور لجلالة الملك وولي عهده الزائر المحبوب.
والمستقبلون من رجال ونساء وفتيان وفتيات يرددون الأناشيد الوطنية، وزغاريد النساء تتصاعد في عنان السماء، والكل يهتف بحياته وحياة والده، مع الدعاء بالعمر المديد لصاحب العرش وللشعب المغربي وبالويل والثبور للمستعمر الغاشم.
ولما استقر به المقام في منزلي تناول طعام الإفطار، وحينما أراد أن يتوجه إلى مكان الصيد خصص لي مقابلة فريدة من نوعها ومما قاله لي: إننا نعرف مقدار تضحياتك، ونعرف أين نضع أقدامنا، فشكرته على هاته التصريحات الغالية.
وبعد ذلك توجه في حفظ الله ورعايته إلى مكان الصيد الذي أعده له بتراب أولاد عمران بحكومة القائد محمد بن رحو، وبعد وصوله إلى محل الاصطياد امتطى متن فرس أعد له لهذا الغرض وقد كنت إذ ذاك حاضرا في ركابه المظفر ولكنني لم أتوغل معهم في داخل الغابة، وحينما قضى وطره واصطاد ما عزم على اصطياده رجعنا إلى داري فتناول الكل طعام الغداء وهو في نشاط كبير وفرح عظيم بين أحبابه ومقربيه.
وفي العشي رجعنا إلى محل آخر أعد إعدادا محكما للاصطياد ونصبت الخزانات والخيم احتفاء بمقدم ولي العهد المحبوب، ولكن الأمطار الغزيرة التي تهاطلت في تلك العشية حالت بيننا وبين ما يريده ضيفنا الكبير، فرجع توا إلى داري وبعدما تناول وجبة الأصيل ودعناه بمثل ما استقبل به من مظاهر الأفراح والمسرات وترداد الأناشيد الوطنية وزغاريد النساء وهتافات الجماهير المحشودة على حافتي الطريق.
وهكذا مرت هاته الحفلة المباركة في قلب زعير والمقامة من طرف قاضيها المخلص للجالس على العرش المغربي ولامته ووطنه، فتحقق بذلك أن زعيرا مقصد الملوك والأمراء للصيد والنزهة والاستجمام.

إرسال تعليق

0 تعليقات