علماء المغرب..علم غزير وشهرة قليلة

ROMMANI PRESS

علماء المغرب..علم غزير وشهرة قليلة

علماء المغرب..علم غزير  وشهرة قليلة
يشهد الكثيرون لعلماء الدين في المغرب بالتمكن وغزارة العلم الشرعي حيث يَفْضُلون في أحيان كثيرة علماءَ المشرق العربي ممارسة ودُرْبة وتأليفا وحفظا وتحفيظا، في مصر والسعودية خاصة وغيرهما، غير أنهم بخلاف نظرائهم المشارقة لا يحظون بشهرة إعلامية ولا قدرة تواصلية وخطابية كبيرة، وبالتالي لا يعرف عنهم عموم المغاربة إلا النزر اليسير.
ويشكر عدد من المغاربة، خاصة منهم طلبة العلم الديني، قناة السادسة الفضائية لأنها مكّنتهم من الاطلاع على بعض العلماء الذين يجهلهم الكثيرون، فأتاحت لهم معرفتهم عن كثب، ومتابعة دروسهم ومحاضراتهم الثرية في إطار مبادرة "الكراسي العلمية" التي باشرتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب منذ سنوات قليلة، وتهم إلقاء دروس في العقيدة والتفسير والسلوك والفقه والسيرة النبوية والقراءات والتجويد والنحو في أكبر مساجد العاصمة الرباط.
مسارات علماء
ومن العلماء الذين انبهر المشاهدون المغاربة بعلمهم الغزير وسعة اطلاعهم، على قلة متابعي قناة السادسة مقارنة مع القنوات التلفزية الأخرى، يوجد الشيخ المحدث العلامة مصطفى البحياوي، والشيخ عبد الله بلمدني، والشيخ سعيد الكملي، وغيرهم من العلماء الذين لم تُتح لهم فرصة الظهور إعلاميا.
والشيخ مصطفى البحياوي ولد سنة 1950 في المدينة الحمراء مراكش، حيث نشأ في كنف والده الشيخ أحمد بن عبد الرحمان البحياوي، وحفظ القرآن صغيرا، وتلقى مبادئ العلوم مزاوجا بين حلقات التعليم التقليدية ومناهج التعليم العصرية.
واشتغل الشيخ المعروف بعلمه الغزير وتواضعه الكبير في قطاع التدريس حيث عمل مفتشا للتعليم الثانوي، قبل أن يدير مدرسة الإمام الشاطبي لتحفيظ القرآن وتدريس علومه في مدينة طنجة..
أما الشيخ عبد الله أبو عطاء الله، المعروف بعبد الله بلمدني، فهو من مواليد الراشيدية جنوبي البلاد، وقد ترعرع هناك في بيت كله فضل وورع وتقوى، إذ كان والده من علماء منطقة تافيلالت، وبيته كان مقصدا ومحجا لطلبة العلم ينهلون من معين علمه.
وبحسب موقع "الكراسي العلمية"، فإن الشيخ بلمدني "تفتقت مواهبه مذ كان طالبا للعلم، فتمكن من اللغة العربية وأتقنها وأصبح محدثا بارعا ذاع صيته بين الناس، فانطلق يعلم القرآن ويحدث الناس حيثما حل وارتحل، ثم إذا فرغ من ذلك عاد إلى بيته، إلى صحبة الكتاب في عصامية فريدة، فهو لا يكاد يفارق الكتاب إلا للضرورة".
أما الشيخ سعيد الكملي، ذو الأربعين عاما، فقد اتبع في البداية تكوينا دراسيا مغايرا تماما للعلوم الشرعية، إذ درس العلوم الاقتصادية في ثانوية دار السلام بالرباط، قبل أن يحصل على شهادة الماستر في تسيير وإدارة المقاولات السياحية من المعهد العالي الدولي للسياحة بطنجة.
وقرر الكملي الاستغناء عن وظيفة ذات مدخول جيد ليتفرغ لحفظ كتاب الله تعالى، وكان حريصا على الذهاب كل أسبوع لمدينة مراكش عند الشيخ القارئ عبد الرحيم نبولسي طيلة ست سنوات متوالية حتى أجازه في القراءات العشر، ويحفظ الكملي كذلك العديد من المتون في النحو والصرف والبلاغة والفقه والحديث والقراءات والمنطق والأدب.
نبوغ بلا سند
وبالرغم من المسارات العلمية المشرفة لهؤلاء العلماء وغيرهم، ممن يزيدون عنهم في العلوم الشرعية أو ينقصون، فإنهم لا يحظون بالمتابعة التي يستحقونها من طرف وسائل الإعلام المختلفة، ويكاد أكثرهم ينزوون إلى الوراء لا يدلون بآرائهم ولا يشاركون في تشكيل الرأي العام إلا لماما.
ولتفسير هذه الحالة المغربية التي تتعلق بنبوغ علماء المغرب دون أن يكون لهم سند جماهيري وإعلامي معتبر يتيح لهم تبليغ علمهم بما يليق بالعصر الحالي، قال الباحث المتخصص في الشأن الديني منتصر حمادة في حديث مع هسبريس بأننا في المغرب أمام حالة مركبة عصية على تمرير تفسير جاهز معين.
ويشرح حمادة بأن معطيات ذاتية تهم تصور ورؤى هؤلاء العلماء للعمل الدعوي أو العلمي وأدوار العالِم أو الفقيه، وطبيعة علاقتهم مع باقي العلماء والفقهاء والمؤسسات الدينية والحركات الإسلامية، تختلط مع معطيات موضوعية ترتبط بأداء هذه المؤسسات والحركات الإسلامية، وأداء الإعلام المغربي الديني، أو الخطاب الديني في مختلف المنابر الإعلامية، سواء كانت رسمية أو "مستقلة"، أو تابعة لحركات إسلامية أو طرق صوفية.. إلخ.
واسترسل حمادة بأنه قد نجد عالما يزهد في الظهور، ويفضل الركون خلف الأضواء الإعلامية، مشيرا إلى أن هذا خيار يفتح الطريق أمام علماء أو فقهاء من مرتبة علمية أدنى، ولكن بحكم أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فسوف يتم ملء هذا "الفراغ الديني" بأمثال هؤلاء، وهذا ما نعاينه بشكل كبير في العديد من الحالات في المجال التداولي المغربي.
الانتماء والتعاطي مع الإعلام
وتابع حمادة بالقول إنه قد نجد الانتماء المؤسساتي لهذا العالم أو الفقيه لهذه المؤسسة العلمية أو تلك، ولكن طبيعة أداء إعلام هذه المؤسسات أو الإعلام الرسمي يحول دون حسن التعريف بعدته العلمية الوازنة إن توفرت طبعا، مردفا أن مرد ذلك يتجلى في تفاعل العديد من المعطيات، ليس بالضرورة تواضع أداء إعلام المؤسسة الدينية المعنية، فقد يكون إعلاما نوعيا، ولكن هناك ثمة نفور في العديد من دول العالم الإسلامي بأسره، وليس فقط في المغرب، من الخطاب الديني الرسمي.
وزاد الخبير في الشأن الديني بأن هذا النفور يؤسس لنوع من الأحكام الجاهزة التي يستحضرها الملتقي سلفا من أي خطاب منتظر أو صادر عن عالم أو فقيه يشتغل تحت مظلة مؤسسة علمية رسمية، وهو نفور تغذيه على الخصوص اليوم، في الحالة المغربية، مواقف قيادات وقواعد الحركات الإسلامية، سواء كانت رسمية أو غير معترف بها رسميا.
وفي هذا الصدد استحضر حمادة طبيعة الاتهامات التي روجها العديد من قيادات وقواعد أتباع الحركات الإسلامية بالمغرب على هامش صدور بعض أعمال العلامة الراحل فريد الأنصاري؛ من قبيل كتاب "البيان الدعوي" و"الأخطاء الستة" ومبحث "من الحركة الإسلامية إلى حركة الإسلام"، حيث كانت بعض الاتهامات تصب في اختزال أسباب صدور هذه المؤلفات والدراسات النوعية، فقط في كونه أصبح رئيسا للمجلس العلمي المحلي بمكناس.
وسرد منتصر حمادة في حديثه لهسبريس بعض العوائق الأخرى التي تمنع من بروز علماء المغرب إعلاميا وجماهيريا، ومن ذلك غياب أقلام إعلامية متخصصة في الشأن الديني من جهة، وتعفف العديد من العلماء الوازنين على الاستجابة لبعض طلبات إعلاميين يسعون إلى نشر وجهة نظر فقهية حول نازلة فقهية أو ظاهرة مجتمعية.
وخلص حمادة بأن هذا التردد يخدم أكثر موقف علماء أو فقهاء آخرين، أغلبهم يشتغل خارج المؤسسات الدينية الرسمية، أو محسوب على حركة إسلامية أو تيار سلفي، بما يخدم في نهاية المطاف المشروع المذهبي والإيديولوجي لهذه الحركة أو ذاك التيار.

إرسال تعليق

0 تعليقات