سلسلة التعريف برجالات زعير





سلسلة التعريف برجالات زعير (5)

أحمد بن عبد القادر المباركي التستاوتي الزعري
هذا الرجل هو أكبر عالم في هذا البيت المباركي الزعري، ضرب في صفوف العلم الظاهر بسهم وافر، وحاز قصب السبق في علم الباطن، فجمع بين علمي الشريعة والحقيقة، وحلق في سمائها تحليقا، وسما بهذا البيت سموا رفيعا، فكان أبرز عارف وأكبر مفكر بين أقرانه الجهابذة الأعلام، ومعاصريه من أئمة الأنام، هذا الرجل هو أبو العباس أحمد بن عبد القادر حفيد الولي الصالح سيدي محمد بن مبارك الزعري التستاوتي لقبا.
مولده: يمكن حصر تاريخ ولادة أحمد بن عبد القادر التستاوتي بين أعوام 1042-1045-1046هـ، اعتمادا على ما يلي:
عند لقائه الأول بالشيخ محمد بن ناصر الدرعي عام 1081هـ، كان عمر التستاوتي إذاك 35 سنة.
في قصيدة مؤرخة في شهر الله المحرم فاتح عام اثني عشر ومائة ألف، ذكر أنه بلغ السبعين.
أنهى صاحب التستاوتي القصيدة الدالية التي عارض بها شيخه الحسن اليوسي في اليوم الثالث من شوال سنة 1125هـ، وعمره إذاك يناهز الثمانين.
أما مكان ولادته فبأم الربيع، وأمضى زمن الطفولة في الرحية وهو موضع قريب من تستاوت.
مرحلة النشأة والتنقل: ترك أحمد بن عبد القادر المباركي بثنايا "نزهة الناظر" قصيدة سير ذاتية مؤرخة في شهر ذي القعدة عام ست وعشرين ومائة ألف استجمع فيها الخطوط العامة برحلته في العاجلة.
يقول التستاوتي في هذه القصيدة:
بأم الربيـــــــع قد ولـدت وبـــــــعدها *** بها أبواي استرجعاني إلى الوكــر
وكنت زمانا في الرحية قـبل أن *** أمــــيز مايـدني إلى الخيـر والــشر
ومن الرحية ينزل أحمد التستاوتي ببلاد زعير، التي بها حل جده الشيخ محمد بن مبارك الزعري.
وصرنا لأوطـــــان بها حـل جدنا *** وفيـــــــها شرعــــنـا للقـراءة والـذكر
إلى أن بلغنا واشتغلـنا بأخـــــــذنـا *** العلوم بان النور من طالع الفـجـر
وفي هذه الفترة يفترض أن الرجل شرع في حفظ القرآن الكريم وبعض المتون الأولية، كما يفترض أنه مكث ببلاد زعير على هذا الحال حتى البلوغ، حسب ما كانت تقتضيه أعراف البادية المغربية.
بعد ذلك ينتقل صاحب الترجمة إلى صرصر، وهو مكان قريب من القصر الكبير للتمعش بعيدا عن الأهل والوطن. وجاء ذلك نتيجة لعاملين أولهما العسر المادي، وثانيهما اضطرام نار الفتنة بين أولاد الشيخ سيدي محمد بن مبارك الزعري، التي أوجز التستاوتي أسبابها في حب الدنيا والرئاسة والجهل وغلبة الشهوة عليهم.
فحلت بنا أعـــوام عسر تتابعــت *** ومـن أجلها استوطنت ناحية القصر
وكنت بها في صرصر متمعـشا *** أحـــــــن لأوطـاني بعــــيـدا عن الصبر
ثم يضطر التستاوتي إلى العودة إلى بلاد زعير، وهو مازال يعاني من الضنك والعسر، بعدما نزل بكورة (لعله أحد كورت القريب من صرصر ومن مدينة القصر الكبير). غير أنه لا يقدر على الإقامة في زعير، فيولي وجهه وجهة الزاوية الدلائية، فيدرس على أشياخها الذين يثني عليهم علما وأخلاقا.
ومنــــــها رحلـــنا نازليـــــــــن بـكــــــــورة *** شهـورا وجــــــزنا للبـلادعلى عســـر
فلم يتيسر لي المـــــعاش بها ولا الـ *** مـــــــقـام وأخفـــــــفنا لـزاويـــــة البـكــر
فجاورت دار الســماء أشــــــرقت بها *** كواكب من علم عريض ومن بحـــر
ولكنهم عن بذل ما بأكفهم أشتحا؟ *** وخــــــير النـاس يدنيـــك فـي الـعسـر
ويغادر التستاوتي زاوية الدلاء متحسرا على ما فقده من علوم وآداب هناك.
ولم يتيــسر لي المقام هنــاك وار *** تحلنا ودمــــع العـين ينهل كالقــطر
لما كنت قد شاهدته من علومـهم *** وجودتهم في منتهى النظم والفكـــر
والتستاوتي الذي عرف الفقر وصرح لشيخه محمد بن ناصر الدرعي في رسائله التي ضمنها الباب الثاني من "النزهة"، بدأت حياته تعرف نوعا من انفراج الأزمة الاقتصادية حينما حل "تلميلن".
وإذا لم أجد عـونا لما قـد أردتــه *** رحلت لتلميلن ملتمسـا يسـري
وظني بهم خيرا فصادفت ما بهـم *** ظننت ويجزى ذا الخير بالخــير
ويعود أحمد بن عبد القادر من جديد إلى بلاد زعير، ولكنه لا يقيم فيها، لأن نار الفتن أضرمت من جديد.
ومنهم رحلـنا للبـلاد وكنـا فـي *** سـرور إلى أن أضرمت فتن الشر
ومن زعير ينزل التستاوتي بزاوية خلفون (هو مكان إقامة الشيخ الشهير الحسن اليوسي)، بعد تخريب زاوية الدلاء على يد السلطان المولى رشيد.
نزلت بخلفون وجاورت عالــمـا *** له رغبة في الخير في كل ما أثـر
ويشد التستاوتي الرحيل من خلفون إلى عسيلة فيبتني دارا.
ومنه انتقلنا واتبنيــنـا بأرضـنـا *** عسيلة دارا في اقتراب من اليسـر
ولما انتهى من بنائها قال:
بنينا وأمر الله لا بــــد كـائـــن *** ولا بــــــد من إتيــــان مـا سـابـق
وكل بناء لو يطـول إقـامـــــــة *** فتغييره في الدهر لا شـك لاحـق
وكعادته، فإن التستاوتي لا يستقر في مكان محدد، فمن عسيلة ينتقل إلى تسكرام، فقرن مهدي، فسلا ثم شالة.
كأني لـــم أنـزل تســـــــكـرام مـــدة *** ولا قرن مهدي ولا كنت في الغـور
ولا كنت يوما في سلا نــازلا ولا *** سكـــــنـت شالـة المـــــعظمـة بالـقـدر
ثم ينتقل إلى مكناس، فيمكث بها سنين.
ومكناسة الزيتـــون فزت بمنــيتي *** بهـا وســـــكناها سنـين مـن الـدهـر
وفي حبس فاس قد مكثنا هنيهـة *** وعــــــرفني المولـى المعظـم بالقـهـر
وبعدما أفرج عن التستاوتي من سجنه، عاد إلى أرضه لعله يقصد بلاد زعير.
ومنه ارتحــــلنا نازليــــــن بأرضـنــا *** ولم ندري ما يـأتي به الله من أمــر.
حاله: كان عالما عاملا عارفا كافلا، ممتع المجالسة، آية في نيل الفضائل ومعرفة حقوق الأفاضل، وجاء في "الإعلام": أنه كانت له ملكة في نظم الشعر، وله عارضة في الأدب، وانتحى طريق الفقر والتصدي للتربية والتصريح بالمقامات العلية. ويقول العميري في فهرسته: وكان له حسن بداهة في النظم، حتى أنه قد يكتب الكتاب وحامله حاضر ينتظره، فينظمه له كأنه يحفظه.
ووقعت لصاحب الترجمة وحشة بينه وبين شيخه الكامل سيدي أحمد بناصر الدرعي، فبقي يترضاه ويستنزل بمحاسن أدبه عصم رضاه إلى أن لبى مناديه، فدعى لتلقي تلك المنة ناديه، واستدعى الناس لحضور ذلك المهرجان الدعاء العام، وذبح كل ما ملكت يمينه من الأنعام، وأوقد لقراءة كتاب الشيخ الشموع بالنهار، وكاد أن يجري لكثرة ما ذبح من دمائه الأنهار، وأخرج من الفرش المرفوعة ما قدر عليه، وقام عاري الرأس، حافي القدمين، لقبض الكتاب الكريم الذي ألقى إليه.
ومن ذلك أنه وفد على صاحب الترجمة في داره فتية من أولاد الشيخ سيدي أبي يعزى في خروجهم لصيد، فأكرمهم وطعموا وشربوا، وحين خرج ليشيعهم، وجد كلابا بالباب أعدوها لصيدهم، فقال لهم لمن هذه، فقالوا لنا، فعاتبهم حيث لم يخبروه بها، قائلا: أليس بعار أن تكون هذه الكلاب تصطاد لكم، وتنزهكم، ثم تدخلون وتتركونها ولا تخبروني بمكانها، هذا شأن صحبة الكرام، ثم أقسم أن لا ينصرفوا حتى يصنع للكلاب طعاما، وأخذ في مداعبتهم ومحادثتهم ومؤانستهم حتى حضر طعام الكلاب، فوضعه بين يديها، ووقف عليها بنفسه حتى أكلت، فودعهم وانصرفوا عنه شاكرين، ولكرم خلقه وحسن صنعه ذاكرين.
وهذا السلوك الإنساني النبيل تجاه الحيوانات وغيرها، كان ميزة لسيدي أحمد التستاوتي، وتبرزه كذلك هذه الأبيات في طائر الخطيف (السنونو) ماتت، وكانت صاحبته، تعاهد العش...:
تحــن لعهـــــــد قــد تقــــــــــدم بينـــــها *** وبين أليــف، كان يـــــــأوي هنالــكا
فما قدرت تأوي إلى غيــــــــــره، ولا *** لــــها أحد، يــــــــهدي إليه مسالـــكا
وعاشت كما شاءت، على كمد بها *** كما عشت من فقد الحبيب هنالكا.
شيوخه: منهم الشيخ سيدي عبد الكريم الجزيري، أخذ عنه سند المصافحة، وهو عن سعيد قدورة عن سعيد المقري عن أحمد حجي عن محمد الوهراني عن إبراهيم التازي عن صالح الزواوي عن محمد الشريف الفاسي نزيل الجزيرة عن والده عبد الرحمان، وعاش أربعين عاما ومائة سنة عن أحمد بن عبد القادر القومي عن أبي العباس الملثم، وهو صافح المعمر، وهو صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم. وله سند في المصافحة عن سيدي عبد القادر الفاسي، وأجازه وقال له صافحتك بما صافحني به الأشياخ إلى آنس بن مالك قال: صافحني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أر خزا ولا قزا كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث فيه روايات.
وقال صاحب الترجمة في كتابه "نزهة الناظر": وصافحني أيضا سيدي محمد بن ناصر الدرعي وأجازني عن أشياخه الذين صافحوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
أما العلوم والفنون، فأخذها على يد شيوخ كبار ذيل نظمه لممتع الأسماع بذكرهم منهم الشيخ العلامة عبد القادر الفاسي، قرأ عليه المعاني بفاس عام 1068هـ, واجتمع في نفس السنة بالشيخ ميارة بجامع اللبارين بفاس، وقرأ عليه رسالة ابن أبي زيد القيرواني, وأجازه الشيخ محمد بن ناصر الدرعي مختصر الشيخ خليل، وألفية ابن مالك، ورسالة ابن أبي زيد القيرواني، وعقيدة الشيخ السنوسي وغيرها. واجتمع التستاوتي مرة ثانية عام 1081هـ، بالشيخ عبد القادر الفاسي بفاس، وأخذ عنه سند المصافحة والحزب الكبير.
يقول التستاوتي في يائيته التي نظم فيها "ممتع الأسماع":
لقـينـا بفـــــــاس شيــــــــــــــخنـا وإمـامهـا *** هــو "ابـن عـلي" الفـــــــــخـر المــــــجيـد
وحين شاهــــــدنا ابتـــــــــــهـاج جـمـالــه *** وقد كان للخيرات فـي الـوقت صافـيــا
وفي ابن علي المولى الشريف بدالنـا *** جـــــــــمـال عنيـف المـدغـرى المصافيـا
إلى أن يقول:
ومنه اهتـدينـا للإمـــــــــــام محــــــــمــد *** ونـلـنا شـرابا أوسـع الـكـأس صافيا
وعاملني القطب الهمام ابن ناصــر *** وأوســــــــــــعنـي بـرا وإن كـنـت جافـيـا
وقال في تعليقه على هاته الأبيات، وابن علي هو العالم الكبير الشهير ناظر عين فاس في وقته، السيد عبد القادر الفاسي رحمه الله، وآخر اجتماعي معه سنة 1081هـ، وفي سنة 1068هـ كنت أقرأ عليه المعاني بفاس. وقال عن محمد ابن ناصر الدرعي اجتمعت معه سنة 1081هـ وأقبل علي غاية الإقبال، ولم يتلفت لما صدر مني من قبيح الأعمال، وأجازني في كتب العلم وصافحني، ثم عدت إليه سنة 1084هـ، فعاملني بما هو أهل له من الأفضال.
الآخذون عنه: أخذ عن التستاوتي العلامة الطبيب السيد عبد القادر بن العربي المكناسي، وأحمد بن أبي عسرية بن أحمد بن يوسف الفاسي. ومن تلامذته السلويين الفقيه القاضي موسى بن الراحل الدغمي، وأحمد بن عاشر الحافي، الذي انكب على جمع مواد "نزهة الناظر" وغيرهما.
ويجدر بالذكر أن التستاوتي الذي نشر طريقته الصوفية في عدة مناطق، خاصة في مدينة سلا والرباط، قد خصص جزءا هاما من النزهة للمراسلات والمساجلات التي دارت بينه وبين مريديه السلويين، وكلها تؤكد متانة الروابط بين الجانبين.
علاقته بالزاوية الناصرية: انصب اهتمام مترجمي أحمد التستاوتي على العلاقة التي تربطه بالزاوية الناصرية ومؤسسها الشيخ محمد بن ناصر الدرعي، لا سيما وأنه خصص جزءا هاما من الباب الثاني من "النزهة"، للمراسلات التي دارت بينه وبين شيخه في الطريقة المذكورة.
ويقول أحمد الناصري في "طلعة المشتري": كان اتصال سيدي أحمد ابن عبد القادر بشيخه سيدي أحمد بن ناصر، بعد قدومه من حجته الثانية، وكان الذي دله عليه ودل غيره على الشيخ رضي الله عنه، هو سيدي الحسن اليوسي رحمه الله. فقد كان اليوسي، وباعتراف التستاوتي هو الواسطة كما صرحت بذلك يائيته المشهورة والتي نظمها كالذيل والتمكلة على ممتع الأسماع:
وعاينت فضــــلا بين النور ساطعـا *** من الحـسن الـيوسي يفوق الدراريا
ومـــنه اهتـــــــدينـا للإمـــــــام محـمـد *** ونـلنـــــــــا واسـع الكـــــــــــأس صـافـيـا
وأوسعني القطب الإمام بن ناصـر *** وأوســــــــعنـي بـرا، وإن كنـت جافيـا
وتم الاتصال خلال عام 1077هـ، وبدأت الرسائل بين الشيخ والمريد، شيخه الذي يجعل التوبة النصوح بمثابة المنقذ من الضلال، إنه يخاطبه في أول جواب على رسالة التستاوتي الأولى بقوله: "جبر الله صدعك، ورأب ثآك، وأقام أودك، وأنجح في الصالحين مسعاك، وأصلح عملك، وأجاب مدعاك، فبادر إلى التوبة النصوح متمسكا بالتقوى والاتباع...". وكان كتاب ثان من التستاوتي أعقبه جواب عليه لا يخلو من إلحاح على التحقق المطلوب من صدق التوبة: "فقد تصفحت كتابك، فجاهد نفسك في التوبة، مستعينا بالله، ومبتهلا، ومتوكلا ولا يأس ولا تسوف...". وبودلت الرسائل بين التستاوتي وشيخه ابن ناصر الدرعي، طيلة أربع سنوات، ابتداء من عام 1077هـ، وظل صاحب الترجمة متشوفا ومتشوقا إلى شيخه الدرعي إلى أن تم اللقاء عام 1081هـ.
يقول عبيد ربه، مستغفره من ذنبه، أحمد بن عبد القادر عامله الله بلطفه، يممت زيارة الشيخ الكامل العارف بالله سيدي محمد بن ناصر، فاجتمعت به في شهر الحرام، أنا وصهري الصالح المكرم، سيدي محمد بن عبد الله الوابدي، والسيد عبد المالك بن أحمد الحسني السجلماسي، سنة إحدى وثمانين وألف، فأول ما خاطبته به هذه الأبيات:
أتيـــــتك يا بحـــر المـــــعـارف أشـــتكـي *** خطـــــــوبا أقـامـــــت مـالـهـا من تـنقـل
وجئتـك ياغـــــوت الـزمــان مــــــــــــجردا *** مــن الأنس مـكســـــــورا رداء التبـليـل
ومالي سوى الظن الجـــــمـيل ببـابكـم *** وإن تطـــــــــردني ليـس لـي من تحـول
علـى كـل حال أرتجي الفضـــــل منك *** وهل يرتجي في النـاس غير المفضـل
فمثلك من لو جـاءه الفاجـر اهتـدى *** ونــــــال مـــــــن الرحــــــمـن كــــــل مؤمـل
ألست إمام القـوم والمـــــــهتـدي بهم *** وقـــــــــائـد ركـب خــــــــــاف يـوم التزلزل
ألســـــت الـذي أحيــــــــيت سنـة أحـمد *** وبنيت مــن أحكامـــــــــها كـــــل مـجـمـل
عليـــكم سـلام الله ما دمــــــت مـاجـدا *** تلاقـي بنـــــــــي ســعـد بوجــــــــه مـهلـل
فقال لي بعد قراءتها: جعل الله لسانك ينبوعا من الحكمة، ينطق كيف شئت، ودعا لي بما يثلج الصدر، واستأذنته في قراءة أبيات من الملحون فأذن لي.
إذا ذكرن شوش حـــالي منكر *** قلـبـــي يـذوب بـصهـر النـيـران
ثم نعيط هيـا ســـيـدي مـحمـد *** ويغيثنـي بن نـاصـر سـلـطـان
إلى أن قال:
يالغـارين النـاس عليكم بسيـدي *** تــــــرووا مـن كيـــــسان الـمـعانـي
اللي مكبل ما عندو بـاش يـهدي *** واش الضـــــريـر يـقـود العميـان.
قبل لقاء 1081هـ، كان التستاوتي منتميا إلى الطريقة الناصرية، بدون قيد أو شرط، حسبما تفيده الرسائل المذكورة، وبعد اللقاء أصبح التستاوتي مبشرا بالطريقة الناصرية، وكان من البديهي أن تنطلق الدعوة من البيت، بعد أخذ الإذن من شيخه، كما أشار إلى ذلك بقوله: "أما بعد، فإني أحب أن أطوق أعناق أهل بيتي بسلسلتكم الذهبية، وأفزع بهم لركنه الشديد، فإن أذنت لي بتلقينهن الورد، فمن لا تتعلم الصلاة منهن، أيجوز لي أن أعلمها أخصر الصلاة...".
ولم تقتصر تبشيرية التستاوني بالدعوة الناصرية، على أهل بيته، بل تعدته إلى خارج المحيط العائلي، لتنتشر في الحواضر والبوادي على يد المريد الجديد، وقد انجدب التستاوتي إلى شيخه ابن ناصر و طريقه، يقول: "إلى قدوتي ورحمتي ونعمتي…وبعد. فإني إليك أنتمي، وأنت المعول، ولو ظهر من الأولياء مثل عدد نجوم السماء لكانت لي بك الكفاية على الجميع".
ووفد التستاوني على شيخه وفادة ثانية عام 1084هـ، وخاطبه بقصيدة دالية من 26 بيتا مطلعها:
يـا مـــــــــــــربـع الـــــعبـاد والـزهــــــــــاد *** بـل مـــــــرتع الأبـدال والأوتــاد
إني بمــــــن يأويــــــك يـا فـلك البهـا *** متــــــوسـل الله فــــي الإسـعــاد
فعساه يمــنحـنـي المــــــنا وينيـلنـي *** ما أرتـجـى مـن ماجد الأمـجاد
الفاضـل القـطب ابن ناصـر الذي *** فـي وجـهـه نـور الهداية باد
ظل صاحب الترجمة على وفاء وإخلاص للزاوية الناصرية، بعد موت شيخه ابن ناصر الدرعي عام 1085هـ، فأصبح فيما بعد القبس الذي أضاء الطريقة الناصرية من بعد الشيخ وأيام خليفته. وقد خلفت وفاة ابن ناصر الدرعي تأثرا كبيرا في نفسية التستاوتي، فرثاه قائلا:
يا ليتنـــــــي، يا ليتــــــــني *** نلت المــــنى من سيـدي
وشربت من ورد الصـــفـا *** ولثمـــــت كأس تــــوددي
ومنه كذلك، مبرزا محاسن شيخه المتوفى:
من لي بشيـخ عــــــــارف *** ذي هـــــــمة وتعـــــــبــد
هــــــــــو ذا إن نلتـــــــــــــــه *** ظفرت يــداك بعسجــد
وعــــثرت بالكــــــــــنز الذي *** يغنــــي بأقرب مـــوعـــد
من أين يوجد في الـورى *** مــــــــثل الإمام الأوحـــد
نحل ابن ناصـــر الــذي *** أحـــــــيا طريقة أحـمـــد
شرح الزمــــــــان بمثـــله *** أهمل دموعك، واكمـد
ذريته:
زوجاته: إن شاعرنا سيدي أحمد بن عبد القادر التستاوتي، كانت له زوجات مثنى، وثلاث، ورباع... وقد سلسلها، بأسلوبه البديع، في الأبيات التالية:
ومن أم عز، قد جنيـــــــنا جنــــي المنــى *** ونلنا من الورد البديع اقتــــــطافـه
وما انفطمت عن ثدي ناهد؟ نفســـــــنا *** وبـــــدر "م هاني"، ما رأينا انكسافـه
ومن زهـــــــر قــد راق حـــــــــسنا جمـــاله *** متى شئته للعـــطف جزت انعطافـه
رقيـــــنا ذري مجــــــــد وعــــــــــز بلوغـــــه *** وقهقرت من أمــر خشــــــيت وقوعـه
شممنا من الريحان ما طاب عرفــــه *** وقد جاد لمـــــــا أن أردت ارتشـــــافــه
ومن حــــجر ملــــكت أحـــــــــمر قانــــيا *** إذا ما رأتــــه الــــــــعين ودت زفافـــه
... إلخ، هذه الأبيات التي جاءت مصداقا لما في فهرست العميري، حيث قال: "وكان يأنس بدخولي عليه (يعني سيدي أحمد التستاوتي) وكثرة ترددي إليه، ويخوض معي في أموره الخاصة و العامة، حتى إنه ذكر لي يوما باءته، وما أوتي فيها من القوة، أنه إذا كان في داره، لا يصلي صلاة من الصلوات إلا بغسل من جنابة، وكان إذ ذاك متسع الحال في المناكح والسراري، وتأتى له من ذلك ما لم يتأت لمثله".
فصاحب الترجمة كانت له نساء وجوار عدة، ولد منهن أبناء وبنات كثيرين، ومن زوجاته وجواريه: أم العز، وردية، زهرة، رقية، ياقوت، منصورة، دامية، ريحانة، غنيمة، ميمونة، فاطمة، ياسمين، جوهرة، مباركة، أم هاني....
وفي بداية حياته كانت له ثلاث زوجات، كما جاء في مطارحاته مع الشيخ ابن ناصر الدرعي، حيث نص على أسمائهن الواحدة بعد الأخرى، وهن فاطمة بنت عبد القادر البوعزاوية، وابنة عمه رقية بنت عبد السلام التستاوتي، وفاطمة بنت السيد عبد الله الوابدي.
فمن من الزوجات كان التستاوتي راثيا وباكيا؟ واحدة منهن سماها، وأخرى كنى عنها دون التصريح باسمها، وتكون "أم التادلي" المكنى عنها، سابقة في الوفاة على "رقية بنت عمه عبد السلام" التي وافاها أجلها قبل وفاة زوجها بعام واحد، أي عام 1126هـ. أما زوجته المعروفة بـ "أم التادلي" فإنها قد توفيت في حياة ولده محمد الشريف، حسبما ورد في المراجعة الشعرية بين الولد ووالده. وإذا ما استحكمنا إلى سياق المراجعات يينهما، فإن تاريخ البعض منها يتزامن وعامي السجن اللذين قضاهما التستاوتي مشدودا إلى سواد الذكريات وإلى بياضها. وهاهو محمد الشريف يكاتبه بأبيات ثلاثة، فتقع في نفس الوالد موقع الجرح الذي لم يندمل، فرثاها بقصيدة انسابت عن شلالات التذكر الأليم، الذي فجره فيه ولده:
لا تذكـــر أباك ما قد تناســــــــــاه *** من الوجـــــد يوم حان الرحيــل
يوم زم المــطي أحبابنا واســـــتو *** حـش الربع منــــــــهم والمـــقيــل
يوم غابت بدورهم واكتسى الجـ *** ـو ظلامـــــــا، وأن مــــنا العويــل
يوم لا منقذ من الشـــــــوق إلا *** سكب دمع مع الجوى يستطيل
يوم لا صبر للفــؤاد ولا مفــرو *** ح ألــــــــهو به ونــــــومي ثقيـــل
ولنتابع إيقاعات النفس الحزينة المتوثبة من شلال الذاكرة:
يــــــوم إذا حلـــت المليــــــــحة أم التـ *** ـادلي الـــــثرى، وحـــان الرحيــل
يوم بانت وخلقــــــــــــــتني كئيــــــــــــــبا *** دائم الوجـــــد، والفــــــــؤاد عليـــل
لا، ونور جبينها، واسوداد الفروع *** منــــــها، وغـــــــــــرة تســــــــــتمــــــل
واهتزاز القــــوام، تحســــــبه الغصــ *** ـن الرطيب، لـــدى التثـــــني يمـيل
واشتياقـــــــي لها وطـــــــول انتـــحا *** بي، والجفون التي عليها تسيل
ما جرى ذكرها مــــــن الدهــــــــر إلا *** وفــــــؤاد الهــــــــــوى إليــها يميـــل
وله فيها أيضا:
فأين اللــــــــــــيالي الفائــــــــــــتات وأين ما *** مضى من عشيات، ومن أزمن تحلا
وعـــــــــــهدي بهذا الربع يـــــــــشرق زاهرا *** من الأنس، والأفراح من حوله تجلى
فـــما باله يــــــــــــــــبدو كأن لم يـــــكن به *** أنيس، ولم يدرك به عاشــــــق وصلا
نعم جاء أمــــر الله وانــــــــــــبرم القضــــا *** بموت فتاة طابت الـــــــــفرع والأصــلا
فما شئت من جد وما شئت من تقــى *** وما شئت من فضل، وما عدمت عقلا
على مثلها يبكي الفتى طــــول عمـــره *** ولست أرى في الغانــــــــيات لها مثـــلا
ولتلك المزايا الفريدة، كان بكاء التستاوتي، ولسيرتها الفاضلة معا، يزداد فيه الألم، ويشتد البكاء:
إذا كنت مقبوضا بســــــــطت بوجهـها *** وإن كنت مبـــــــــــسوطا تذكرني أجــلا
تــــــــسارع فـــي مرضــــاتنا، وتـــــحــبنا *** وتبذل في أغراضـــــنا الـــــمال والأهــلا
وتصبر إن أغضبــــــــتها صبر مشـفق *** علينا، وتعطي اللين إن عاينت جهـلا
وتحفظني غيبا، وفي حـــال حضـــرتي *** وتمنحــــــــني من أمرها كل ما احلولـى
وكانت لنا عــــونا على الدين والدنـى *** ويعجبها من صام في الوقت أو صلى
وكانت ترى الأسرار في شطــــــحاتها *** وتـــــــــــــخبرنا بالأمر العجاب، وإن جــلا
والبيت الأخير من القصيدة، قد التقط الشاعر فيه صورة الأم الحنون، ترقص "الغزالي" طفلها الصغير، ويعلم الله كم أنجبت من أطفال مع هذا الصوفي الغريب والعجيب، ورحم الله أم "التادلي وأم "الغزالي"، فقد كانت الزوجة الوفية، والمتصوفة النادرة. وكفى بها شهادة من زوجها في مرثيتيه السالفتين:
وتهفو بمحي الدين في نغماتها *** وإن ضاق أمر، شاهدته وقد حلا
وقبيل وفاة التستاوتي بعام وبعض منه، توفيت زوجته رقية، وكان ذلك آخر رمضان عام ستة وعشرين ومائة وألف، وهي من أزواجه الأوليات، يرتبط معها بوشائج العمومة. وكانت زوجته "رقية" هاته بمثابة رقية لأدوائه وآلامه مع النفس ومع الحياة، وقد أبنها بأبيات، على قافية السين، منها:
ونفـــسي لا تدل على صـلاح *** فيومي بالغواية مثل أمسي
رقيت الــداء منـــها فاشمأزّت *** وما فرحـــت لرقيتنا، لنحس
سأصبر لانتزاح هواها صــبرا *** يفك القلب من إتيان بخس
وأرجو أن أعوض عند فقدي *** لــــــــبدر طالع عنه بشمــس
وحسن الظن بالــمولى جميل *** يجازي فاقدا، جــنا بشمس
وله في زوجته أم هاني ملحونة وجدانية تحمل عنوان: "مان هاني من أم هاني"، مطلعها:
مان هاني من أم هاني بت نهوم *** كيف فاقد ورد ضاري مشموم
والزهر ال كنت من قطــق محــــروم *** ايوك نظفر به وتزول هموم
أولاده: قال سيدي أحمد بن عبد القادر التستاوتي عام 1104هـ، وهو السجين المبعد عن أولاده وفلذات كبده: "ولنا سنة أربع ومائة وألف، داعيا الله تعالى، متوسلا بمن وافق اسمه اسم أولادي من الصالحين رضي الله تعالى عنهم، وعنا بهم":
كأن عبـاد الله غابــــــت بــدورهـــــــــــم *** فلـم أر بــــــــدويـا، ولـــــــــــــم أر شـافـعـا
لإدريس فخـــــــــر والجنـــــيـد معــــظــم *** وإليـاس كــــــم من أزمــــــــة كـان رافـعـا
وإنـي بــتاج الـدين مأمــــــون نـكـــــــبـة *** وفي يوسف الصديق، مازلـت طـائـعـا
وآدم لـي عــــــــون، ويـونس عدتــــــــــي *** وفي خصــب إبـراهيم أصبـحـت راتعـا
دعـــــوت وبالجيــــــــــــلاني الله أرتجـــــي *** يكـون لنـا من فتــــــنـة البـيـن مانعـا
إذا اشتد بي خطب، وضاقت مسالكي *** لجــــــــأت إلـى الغـزالي الحبر خـاضعـا
بعـــبـد الـرحيـم الفاطمــــــــــــي وكـــــــهفنا *** العـروسي، تـرون الله للشمـل جامعـا
وأســــــــأله بالقســـــــــــطـلاني يـــــــــغيـثـنا *** ويكشــــــــف فـضـلا، مـا كــــــــــان واقعـا
ومن فضل عبد الله أعنـــــــــــي محمـدا *** يـرى قمـــــــــــري فـي منـزل العـز طالعـا
بميمــــــــونة أدعــــــو وفـاطـمـــــــــــة أرى *** وأرى قـافـــــــــلا ممـا أنـا فـيـــــــه راجـــــعـا
وأخت علي أم هانـــــي بـــــــــــــجاهـــهـا *** يـدوم التـــــــهاني، ظاهر النـور سـاطـعـا
ومني علــى المختار أفضــــــل مرسـل *** صـــــــــــلاة، بهـا وبـي يكـــــون مـدافـعــا
ويقول التستاوتي عندما بشر بزيادة ولده مصباح، أواخر رجب سنة خمس ومائة وألف:
بشرتنـا بأبـي الضــــــــــــيـا مصــبـاح *** بـــــشـــرت بالإمــنـاح مـن فــتـاح
وعلوت أطـواد المـــــــــــــعارف واقــفـا *** بـذوي العـوارف سامـي الأرواح
وقطفت من روض الحقايق والرقا *** يـق والدقـايـــــــــــق أنـفـح الأدواح
وربحت في تلك التــــجارة مربــحا *** مـا مثلـه قـــــــــدر فـــــي الأربــاح
ولسيدي أحمد بن عبد القادر المباركي التستاوتي عقب ببلاد زعير يدعون القادريين بسكون الدال، بقبيلة أولاد علي الزعرية على يسار الطريق المؤدية من الرماني إلى قرية الزحيليكة.
وتجدر الإشارة على أن صاحب الترجمة كان يعاني من عاهة العرج، حسب ما يشير إليه بنفسه مخاطبا شيخه محمد بن ناصر الدرعي: "واعلم أني ذو عيال، وأنا أعرج"، وقال له أيضا: "ولولا أني أعرج، لا أقدر على المشي إليكم، ولا مركوب عندي، ما كتبت إليكم، بل لأتيتكم بنفسي…".
محنته: إن مكانة سيدي أحمد التستاوني البارزة في علم الظاهر والباطن، وما جلبت إليه من أتباع ومريدين، أثار انتباه السلطة الحاكمة، ومن ثم كانت محنته. لقد ذكر مترجموه أن من بين ادعاءاته الصوفية أنه أعطي الشفاعة في أهل عصره، وقد أبرز أحمد الناصري في "طلعة المشتري"، أن صاحب الترجمة لما وقع له الفتح، كانت تغلب عليه الواردات و الأحوال فيبوح وربما أشار إلى نفسه بأنه صاحب الوقت أو المهدي، أو ما شابه ذلك، فتخوفت عشيرته من أن ينلهم من السلطان مكروه، فأنهى بعض أقاربه أمره إلى السلطان.
وكان أحمد بن عبد القادر التستاوتي في ابتداء أمره يقسم لشيخه بالله الذي لا إلا هو الرحمان الرحيم، ما من ذنب صغير أو كبير إلا وقد ارتكبه، ثم صرح في آخر أمره، بأنه بلغ من منزلته عند ربه أنه مشفع في أهل عصره، ومن صدق في المقالة الأولى وصرح ولم يستح، ولم يداج، فينبغي أن نظن به الصدق في مقالته الثانية والله على كل شيء قدير.
انتهى الأمر بسجن أحمد التستاوتي من طرف السلطان المولى إسماعيل، حيث سجن في حبس فاس الجديد سنتين، من عام 1104هـ إلى عام 1106هـ، ثم سرحه السلطان وحمله على استيطان مكناسة الزيتون، فرحل إليها ولم يزل بها إلى أن وافاه الأجل بها.
إن المحنة التي عاشها التستاوتي بين عامي 1104هـ و1105هـ، لم تكن على ما يبدو وليدة تاريخها، بل للمحنة جذور. وكانت رسالة التستاوتي عن المهدي والمهدوية من أقوى الأسباب والدواعي. وقبل كتاب الرسالة بسنتين، يشير التستاوتي إلى هذه الجذور، في الأبيات التي نظمها عام 1093هـ، ومنها:
وما قيل للســــــــــلطان عنـــــي فإنــه *** يعد من البهتان من غير ما لبس
وإن قلت الأشهد لي اليـــوم هاهنا *** غدا تكثر الأشهاد حقا، بلا حدس
ومني على السلطان أزكى تحيـة *** تبشـــــره بالفتــــح والنصر والأنـس
بعض ما قيل في سيدي أحمد التستاوتي من أشعار:
من ذلك ما قاله تلميذه المعترف بفضله وعلمه، أبو العباس أحمد ابن عاشر الحافي السلوي، معددا لفضائله ومشيدا بمآثره.
أتــــيناكـــــم بجمـــــــع قاصـــــــدينـــا *** أبا العــــبـاس قطـب العـارفيـن
أنجل مــــــبارك حســـــــني أصــل *** أغوث ذوي المعاني الراسـخيـن
مقامـــــــك لا يــــــوازيـه مقــــــــــام *** أنـا لك ذلــــك رب العــــــــــالـميـن
فيــــا مــــــن لا يـــــــرد سائليـــــــــــه *** ويـمنـحهم مـــــقـام الـواصلـين
أتــينا لبحـركم نرجـــــــوا اغتـــــــرافـا *** ووردا من شـراب العـاشـقيـن
ولذنا بـبابكـــــــم نبغي اعتــــطافــا *** ويـأبـى الفضـل طـرد السائلين
ولســـــــنا لما قضى أهلا ولكــــن *** نوالـك لا يـخــــــــص الكـامـلين
فكم فرجـت من كـــــــروب شـداد *** وكـم أنـــــــقدت قـوما جـاهلـين
مآثرك الــسـنية ليس تحصــــــى *** وحـق المصــــــطفى والتـابـعيـن
عليه من الســــــلام ألوف ألـف *** ســـــــلاما فـاق عـد الـحـاسبيـن
ويقول العميري عن صاحب الترجمة: أنه ذهب يوما ليعود الفقيه سيدي الطيب المسناوي في مرضه الذي توفي فيه، واستأذن قابضا الإذن عليه فكتب إليه:
يا خير من حاز المفاخـر والثنا *** يـا طيـب الأقــــــوال والأفـــــعـال
كم لي وحقك حول بابـك واقفـا *** أرجـوك تطـفي لوعتي بوصـال
قال: فكتب إلي من داخل الدار:
امبـارك بن مبــــارك المفــــــــضـال *** وصـــــلي رعــــــاك الله لـــيـس بغال
ما كان يحجب مثل بدرك حاجب *** لــــــــــولا تكاثف غيـــــمنا فـي الحـال
ومما كتب به الفقيه محمد بن محمد الصبيحي السلوي لأحمد بن عبد القادر التستاوتي عام 1121هـ، هذه الأبيات:
عـرج سريعـــــــا للمـــــــقام الأحـــــــمد *** بـحـر الندا ومــــــورد الضـــمـئـان
شمس النباهة والمـــــجادة والتقـــى *** غـوث الأنـــــام ومـــعـدن العـرفان
من عم إفضـــاله الخلائق كلــــهـم *** علق النبـي المصطفـى العـدنـان
بهر العقول بحسنه، قد أصبحت *** حـــــيـرانـة مـــــن نــــــوره الـفــــــتـان
هذا ابن عــبد القادري المـــــجتبـى *** كـــــهـف الأنـــام ونــــــخبـة الأقران
مــن أمــه نال المـــــطالب والمـنـى *** يـا ســـــعـده قـــــد فـــــــــاز بالإيـمان
وإذا تصبك خــصاصة فالــــجـأ له *** تحظى ســـــــــريـعـا بالمـقـام السـن
حاز المفاخر والمـــآثـر والنــــهـى *** بحـــــر السخـاء ومــعـدن الإحسـن
يا رب عاملـنـا برؤيـة سيــــــــــدي *** لنـــــفـوز بالعـــــرفـان والــــــــــغـفران
تراثه الفكري: كان لسيدي أحمد بن عبد القادر التستاوتي ملكة واسعة وقوية في نظم الشعر، وعارضة في الأدب، بحيث ترك تراثا فكريا ضخما، عكف على جمع بعضه تلميده ابن عاشر الحافي السلوي. وذكر عبد الرحمان بن زيدان في إتحاف، أن للتستاوتي أسئلة فقهية لعلماء وقته، وتقاييد مفيدة تدل على تضلعه واقتداره، وشفوف مكانته، وعلو همته، وتفوقه على أترابه. ومن آثار التستاوتي:
1- عقد جواهر المعاني في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني: قصيدة تائية مع شرح عليها، يقول في مطلعها:
أقول لمـــن أعيا الطـــــــبيـب علاجــه *** وقـد مل من شــرب الدواء لعلـة
ألا لذ بمحيي الدين يا طالب المـنى *** وعول عليه في الأمـور المهمـة
تقع هذه القصيدة مخطوطة ضمن مجموع من الورقة 102/أ إلى 115/أ محفوظا بالمكتبة الوطنية بالرباط تحمل رقم: D1302.
2- يائية في ترجمة أهل عصره: منظومة فيمن لقيه الشيخ أحمد التستاوتي من الأشياخ والأصحاب، فرغ منها عام 1111هـ، محفوظة في المكتبة الوطنية بالرباط ضمن مجموع يحمل رقم: D1302.
3- شوارق الأنوار وجواهر الأذكار: أولها: الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله إلخ. توجد ضمن مجموع من الورقة 22/ب إلى الورقة 39/ ب، محفوظة بالمكتبة الوطنية بالرباط تحمل رقم: 1723 د.
4- نظم كتاب التشوف إلى رجال التصوف: قصيدة من 173 بيتا مع شرح عليها. يقول في مطلعها:
أقـــــول وما قولـــــــي بشــــيء وإنــمـا *** يروق مـــــقال بالحـــــــق والشكــــر
وأفضل أعمال الــــــــــــعباد صلاتهــم *** على أحــمد المبعوث للعبد والـحر
وبعد فإن عنت خـــــــــطوب وخمـيت *** بباب امرئ مثلي كئيب من الوزر
فلا شيء أنجــى من توسلنا إلى الـ *** كريم بأهل الله في الضيق والعسر
بهــــــــم يرحم الله العـــباد بفضــــــلـــه *** ومنهم علينا تنهـــمر سحب القطـر
هم الناس كل الناس من أم بابــهم *** يتوج بتاج العز والمـــــــجد والفـخر
أول الشرح: "الحمد لله رب العالمين…وبعد: فهذا رمز خفيف، من طرف خفي ضعيف، لبيان بعض ما مست إليه الحاجة من هذا النظم المنيف إلخ...". يوجد هذا النظم ضمن مجموع من الورقة 153/أ إلى 170/أ، محفوظ في المكتبة الوطنية بالرباط تحمل رقم: D1302.
5- نظم كتاب ممتع الأسماع: يحتوي هذا النظم على 152 بيتا مع شرح عليه، ثم صار 400 بيتا بإضافة أشياخه. يقول في مطلعه:
يقول ابن عبد القادر المذنب الـــــــذي *** يروم مـن المولى انتصارا جلاليــا
ألا أيها المرء الذي اشــــــــتد خطــــــــــبه *** وأصبح يدعو الله للبؤس شاكـيــا
توسل بأهــــــــــل الله إن رمــــــت نصــــــرة *** وعزا وفتـــــحا في الأنام اجتبائـيــا
عنيت بهم من كان في عاشر القرون *** وقـــد أحـــــــــطوا لما كـــان حاديــــــا
وأذكر مـــــــن أدركــــــــــته وراءه مـن *** لقيت ومن قد كان في الوقت داعيـا
أول الشرح: "الشيخ محمد بن سليمان الجزولي، هو أشهر من أن يعرف به...". يوجد هذا النظم ضمن مجموع، من الورقة 170/أ إلى 178/ب، محفوظ في المكتبة الوطنية بالرباط يحمل رقم: D1302.
6- نظم الحلية لأبي نعيم: يتكون هذا النظم من 600 بيت شعري مع شرح عليه. أوله:
بدأت ببسم الله والحمد أرتجــي *** بلوغ مرادي من كريم المبـرة
وأسـأله تيســــير نظـــــم مرونـق *** بذكر رجـال الحلية الأعطرية
وأول الشرح: "إنما بدأت ببسم الله تبركا به إلخ ...". يوجد ضمن مجموع من الورقة 115/أ إلى 152/ب، محفوظ بالمكتبة الوطنية بالرباط يحمل رقم: D1302.
7- نظم رجال طبقات الشعراني: يتكون من 287 بيتا مع شرح عليه. مطلعه:
يقول ابن عبد القادر المــــذنب الذي *** أتى نحو أبـــواب الكرام مهرولا
وأشرف شــــيء في انتـــــشار أمــورنا *** ابتداء باســــم الله والحــمد أولا
ومـــا أنــــا ذا بالحــــــــــــمد لله أبتــــــدي *** وأرجو به المقصود أن يتكمـلا
واعقبه منى الصــلاة علــــى الرســول *** أحمد والتسليم بالطيب أفضـلا
واحبوك نظما حـــــاويا كـــــل صالـــح *** من الطبقات الغر أصبح معـتلا
كما ذكــر الشــــــعراني جـــــاء مرتبــــا *** وحسبك نظما جاز تاجا مكلـلا
أول الشرح: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فدونك تلميحات يسيرات تشير بأنامل باعها القاصر إلى بيان بعض ما ذكر في قصيدته أحمد بن عبد القادر غفر الله له ولوالديه...".
يوجد هذا النظم ضمن مجموع، من الورقة 178/ب إلى 199/ب، محفوظ بالمكتبة الوطنية بالرباط يحمل رقم: D1302.
8- نزهة الناظر وبهجة الغصن الناضر: هذه النزهة قام بجمعها تلميذه أحمد بن عاشر الحافي، وهي عبارة عن رسائل وأشعار وملحونات. وهذه النزهة تجمع بعض ما ذكر سالفا، وما سنأتي على ذكره لاحقا من آثار التستاوتي. وتوجد من "النزهة" عدة نسخ، منها المبتورة أو الناقصة ومنها التامة، محفوظة في المكتبات الوطنية، منها نسخ المكتبة الوطنية بالرباط تحمل أرقام: ك 1669، ود 1302، وك 555 ضمن مجموع. وبالخزانة الحسنية بالرباط، نسخة تحمل رقم: 3070، وأخرى تحمل رقم: 793. وبخزانة الجامع الكبير بوزان نسخة تحمل رقم: 524. ونسخة بالمكتبة العامة بتطوان تحمل رقم: 10/ 11، كما تضم الخزانة الصبيحية بسلا نسختين من النزهة.
9- قصيدة في مدح الشيخ محمد بن ناصر: محفوظة في المكتبة الوطنية بالرباط ضمن مجموع تحمل رقم: 3548.
10- وصية: محفوظة في الخزانة العامة بالرباط ضمن مجموع تحمل رقم: 1060 د.
11- مكاتبته مع محمد مرينو الرباطي: توجد في ديوان هذا الأخير.
12- تأليف في الفرق بين الولاية والنبوة: يوجد في كراستين، فرغ منه عام 1687م. جمعه ولده أبو إسحاق إبراهيم، وهو محفوظ في الخزانة الحسنية بالرباط يحمل رقم: 12343.
13- رسائل: مطلع الأولى: "هذه الرسالة من أحمد بن عبد القادر كان الله له إلى أزواجه وبناته ونسائه، أما بعد السلام عليكن ورحمة الله وبركاته فإن الله حذركن من النار...". تقع ضمن مجموع من الورقة 199/ب إلى 228/أ، يحمل رقم: D1302 في أرشيف المكتبة الوطنية بالرباط.
14- نظم رجال القشيرية: نظم مع شرح عليه.
15- جواب على رسالة عبد الله بن محمد الحيمر: فيما ينبغي عليه المريد من التواضع، يحمل رقم: 1845 د و3272 د ضمن محفوظات المكتبة الوطنية بالرباط. وهي رسالة طويلة تقع في اثني عشرة صفحة، من كتاب "نزهة الناظر".
أما موضوع الرسالة فيدور حول الكبر والتكبر والتواضع، وهو موضوع استمد مادته من مصادر صوفية متعددة كقوت القلوب لأبي طالب المكي، والإحياء للغزالي، وحكم ابن عطاء الله الإسكندري، وغيرها من مصادر القوم الصوفية. كما أن الرسالة، اشتملت على إخبار الأولياء والصالحين، الأحياء منهم والأموات القريبين من عصره والبعيدين....
16- تقييد في كلام بعض المتصوفة: محفوظ في الخزانة الحسنية بالرباط يحمل رقم: 12080.
17- رسالة في بعض المقالات الصوفية: محفوظة بالخزانة الحسنية تحمل رقم: 10140.
18- أرجوزة في التصوف: محفوظة بالخزانة الحسنية بالرباط تحمل رقم: 12080.
إشـارة: بتاريخ 13 يونيو 1986، وبمدرح الشريف الإدريسي، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، نوقشت رسالة بعنوان "أدب التستاوتي"، من خلال كتابه "نزهة الناظر" لنيل دبلوم الدراسات العليا في الأدب، تحت إشراف الأستاذ المرحوم محمد بن تاويت.
والرسالة لصاحبها الأستاذ أحمد الطريبق أحمد، وتقع في ثلاثة أجزاء: حياة وكتاب- قضايا ورسائل- اتجاهات وأشعار. وقد قامت بنشرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في ثلاثة أجزاء سنة 2003، تحت عنوان: "الكتابة الصوفية في أدب التستاوتي (1045- 1127هـ) (الحياة- الكتاب- الخطاب)".
كما قام الأستاذ عبد الطيف شهبون، بجمع وتحقيق وتقديم رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في الأدب تحت عنوان: "أحمد بن عبد القادر التستاوتي، نزهة الناظر، شعر التستاوتي"، نوقشت هي كذلك بكلية الآداب بالرباط خلال الموسم الدراسي لسنة 1990-1991. وقد طبعت ونشرت هذه الرسالة في جزأين تحت عنوان: "شعر أحمد بن عبد القادر التستاوتي (ت 1127هـ)".
وصدر أيضا للدكتور عبد اللطيف شهبون، كتاب آخر يهتم بشعر سيدي أحمد التستاوتي، يحمل عنوان: "الخصائص الأسلوبية في شعر التستاوتي". وألف أيضا في شعر التستاوتي الدكتور محمد الصغير، وحمل كتابه عنوان: "بناء القصيدة الصوفية في الشعر المغربي أحمد التستاوتي نموذجا".
كما أجزت الطالبة سهام النوالي بحثا لنيل الإجازة في اللغة العربية وآدابها يحمل عنوان "ملحونات أحمد بن عبد القادر التستاوتي" (جمع وتخريج وتقديم). جمعت فيه ملحونات التستاوتي الواردة في "نزهة الناظر". (كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس بالرباط. السنة الجامعية 1999- 2000)....
وفاة سيدي أحمد التستاوتي ومدفنه: توفي سيدي أحمد بن عبد القادر التستاوتي ليلة الأربعاء فاتح رجب عام 1127هـ (1715م)، ودفن قرب روضة الشيخ عبد الله بن أحمد خارج باب البرادعيين بمكناس، وقبره هناك مزارة شهيرة عليه بناء لا بأس به. قال أبو القاسم العميري: "ودخلت عليه في اليوم الذي توفي فيه، فوجدته جالسا على صندوق مرتفع عن الأرض، فقال لي: إنما جلست هنا لأني صليت عليه هذه الصلاة، يعني الظهر، ويشق علي إن نزلت أن أصعد لصلاة العصر، فمات قبل العصر أو بعده".

إرسال تعليق

0 تعليقات