سلسلة التعريف برجالات زعير (8)
الحسين بن محمد الزعري
مولده ونسبه: هو أحد أعضاء البعثة العلمية المغربية الثالثة إلى أوربا على عهد السلطان المولى الحسن الأول. ولد بمدينة سلا بتاريخ 10 ذي الحجة عام 1263هـ الموافق 27 دجنبر سنة 1876، وأصل أسرته من فرقة أيت العروسى بزعير، وجد والده هو الذي انتقل من زعير واستقر بمدينة سلا. (أيت العروسي المذكورة فرقة من قبيلة النغامشة إحدى قبائل زعير. تتألف من الفخذات التالية: الطبة، أيت بوعزة، أيت المعطي، أيت قسو، البواشرية، القايديين، أولاد زيد... وأيت العروسي هؤلاء، ينسبون إلى زاوية سيدي أحمد العروسي صاحب الساقية الحمراء بالصحراء المغربية).
اختير الحسين الزعري ضمن نخبة من المتعلمين الذين توجهوا إلى إيطاليا أواخر القرن 19 فيما عرف بالبعثات العلمية التي أرسلها السلطان المولى الحسن الأول للالتحاق بالكلية الحربية الدولية بطورينو سنة 1886. وقد قضى الحسين الزعري بدولة إيطاليا مدة ثماني سنوات ثم عاد إلى أرض الوطن، وشغل عدة مناصب مخزنية هامة.
دراسته: تلقى الحسين الزعري دراسته الأولية بكتاب قرآني بسلا، وإثر الاتفاق الذي حصل عام 1295هـ، بين السلطان المولى الحسن الأول وحكومة إيطاليا على إرسال بعثة علمية مكونة من 13 طالبا، من أبناء بعض المراسي للمدرسة الدولية بمدينة "طورينو"، بقصد تعلم اللسان والفنون العسكرية والملاحة، وكان من جملتهم الطالب الحسين الزعري.
سافر الحسين الزعري ضمن الفوج الثالث أواخر شهر شتنبر 1888، وامتطى متن باخرة إيطالية اسمها "ضونضولو" "Dondolo"، انطلقت من ميناء طنجة، ورست بميناء جنوة، ثم استقل الطلبة القطار إلى "طورينو" حيث المعهد الدولي الإيطالي: Instituto Internazionale Italiano
وبتلك المدرسة التقى صاحب الترجمة بعدد من الطلاب الأوربيين والأفارقة وغيرهم، وبدأ أعضاء البعثة يتعلمون اللغة العربية والإيطالية، وبعد دراستهم ثلاث سنوات، وزعوا إلى فئات ثلاث، وبعد أن قضت البعثة 8 سنوات، رجع أفرادها برتبة ضابط إلى أرض الوطن، وتأخر الحسين الزعري قليلا للانخراط في المدرسة العليا للغات، بمدينة "طورينو" إلى أن نال شهادة بتحصيلها سنة 1898.
لقد كان الزعري ذا طموح كبير، حيث كان ينوي الانتقال إلى مدينة "فلورانسا" لتتميم دروسه في اللغات، خصوصا اللغة الألمانية، مع دراسة الحقوق الدولية، لكن الصدر الأعظم أحمد بن موسى أرسل كتابا يأمره فيه بالرجوع إلى المغرب، واستقدمه محمد بن العربي الطريس، الذي كتب بذلك يوم 10 شتنبر سنة 1898 إلى إيطاليا، فكانت عودته إلى طنجة في شهر نونبر سنة 1898، بعد غياب دام أكثر من عشر سنوات. كما كان رجوعه أيضا بإلحاح من والده السيد محمد.
وظائفه: تمكن الحسين الزعري خلال مقامه بإيطاليا من التكلم بعدة لغات (الإيطالية والفرنسية والإسبانية والبرتغالية والإنجليزية والألمانية)، وكان يتقن بعضها. وبعد عودته إلى المغرب، فتح سنة 1905، مدرسة لتعلم اللغات الأجنبية بالرباط، هو وزميله في الدراسة الدكتور أحمد الجبلي العيدوني، وكان من جملة تلاميذها محمد بركاش وإدريس ابن قائد سلا بنسعيد، فقامت على الحسين الزعري ضجة حتى قيل إنه حبس من أجلها، ولم يفرج عنه إلا بشفاعة من سفير ألمانيا بإيطاليا.
وقد تقلب بعد ذلك في عدة وظائف مع الحاجب أحمد بن موسى ومع العلاف (وزير الحربية)، ومع محمد الجباص، وعين مترجما للمهندس الألماني فالطير روطنبورغ أثناء تشييده لبرج مدينة الرباط. وفي سنة 1909 عين قائدا للطابور الثامن للشرطة المغربية بمدينة الصويرة، حيث كلف بتكوين هذا الطابور، ثم بتسيير العمليات الحربية بقبيلة متوكة وأيت باها. وقد مهد لتلك العمليات بخرائط استراتيجية، ويوميات لتحركات مختلف قطاعات الطابور مما لم يكن معروفا من قبل عند العساكر السلطانية. ونظرا لما كان يقوم به الحسين الزعري من نشر للوعي الديني والسياسي، وإطلاع الناس على ما جد من أحداث في العالم، وإفادتهم مما تعلمه أثناء دراسته في أوربا، وما عرفه من ثقافتها، فقد أعفي من منصبه العسكري للمرة الأولى، ثم للمرة الثانية سنة 1912.
وفي عام 1332/1914، عين الحسين الزعري خليفة لعامل مدينة سلا، ورئيسا على جناح سلا في معرض الدار البيضاء. وفي سنة 1929 تولى قيادة بعض قبائل زعير، وهي السلامنة وأولاد دحو وأولاد زيد والحلاليف بعد إعفاء قيادها. واستمر في هذا المنصب إلى حدود سنة 1939، وكان فيه مثالا للنزاهة والاستقامة، مختلفا عن أغلب قياد الحماية في إيجاد مجالات تهم الصالح العام، لذلك حاول أن يخلق في قيادته مركزا نموذجيا في ميدان الفلاحة وتربية الماشية وحفر الآبار وشق الترع، لكنه أعفي من مهامه سنة 1938، ثم عين قائدا لقبيلة الخلط بمنطقة الغرب، واستمر في هذا المنصب إلى حدود سنة 1944، وقضى بقية حياته رئيسا لقسم الترجمة بالمصالح البلدية بمدينة سلا إلى حين وفاته.
حاله: يقول الأستاذ مصطفى بوشعراء حسب رواية الذين عاشروا الحسين الزعري، أنه كان رحمه الله مثال النزاهة، والاستقامة، ودماثة الأخلاق. ويضيف الأستاذ المذكور ما نصه: "ولا أزال أتذكر صورته في حدود الأربعينات، وهو خارج من بلدية المدينة، ربع في القد، أبيض اللون المشرب بسمرة قليلة، لابسا جلابة وطربوشا بالرزة، وأمام عينيه نظارتان، وتحت إبطه بعض الجرائد التي كان يشتريها بعدة لغات من دكان البازار الموجود اليوم عن يمين مبنى العمالة بحي الرمل بسلا، القريب من داري التي أقطن بها".
لقد كان الحسين الزعري حريصا على مصلحة بلاده واستقلاله التام، وحبه الكبير لملكه دون أن يجهر بذلك، وقد كان يحتفظ بوثيقة سرية حصل عليها من أرشيف بإيطاليا، حين كان طالبا بها، وهي عبارة عن اتفاقية كان الاستعمار يحاول إقناع المغفور له محمد بن يوسف بالتوقيع عليها، إلا أن جلالته تردد لأنه كان غير متأكد من محتواها. وقد سلم هذه الوثيقة للوطنية الغيورة زبيدة الزعرية ابنة أخيه التوأم الحسن الزعري، لتسلمها إلى المغفور له الملك محمد الخامس يد بيد. وقد كانت زبيدة الزعرية من المسيرات اللواتي يمثلن حزب الاستقلال في حفلة عيد العرش بالقصر الملكي، فانتهزت الفرصة وسلمت الوثيقة للملك، وغاب جلالته داخل القصر، ثم عاد بعد اطلاعه على الوثيقة إلى الشرفة، حيث وضع الوثيقة على جبهته، شاكرا من سلمها إليه، وكان ذلك إشارة منه على أنه استبشر خيرا. وقد عرف فيما بعد، أن الملك محمد الخامس وقع الوثيقة بعد ذلك.
وفاته: توفي الحسين الزعري بمدينة سلا، يوم الاثنين 3 جمادى الأولى عام 1375هـ الموافق 18 دجنبر سنة 1955، ووري جثمانه قرب ضريح الشيخ سيدي أحمد بن عاشر بجوار جيوش الشهداء. والمرحوم الحاج الحسين الزعري هو آخر الطلبة الذين بعثهم السلطان المولى الحسن الأول إلى أوربا لأجل تلقي العلوم العصرية.
مذكراته: ترك الحاج الحسين الزعري مذكرة قيمة تهم البعثة العلمية التي توجهت إلى إيطاليا عام 1306/ 1888، وهذه المذكرة تضيف لذلك معلومات هامة عن مشاريع وظروف المغرب حوالي سنة 1900.

إرسال تعليق

0 تعليقات