حفريات في تاريخ قبيلة زعير

ROMMANI كريم الصامتي منذ مدة طويلة والرغبة تَحْدُونِي للمساهمة في إعادة توثيق تاريخ قبيلة زعير، لا سيما بعد الجهد الذي أفنيته في التنقيب عن هذا التاريخ في الأسفار والمؤلفات. بيد أن بحثي لم ينتهي إلا إلى بعض المؤلفات، التي إما أنها لم تُحِطْ بتاريخ القبيلة الكامل، أو أنها عرضت فقط لمحطات منه، مجتزأة أو منزوعة عن سياقها، أو تعاملت معه بانتقائية حسب انتماءات وأهواء مؤلفيها (سوف أتعرض في نص آخر لهذه المؤلفات بالنقد والتحليل والمحاججة). كما أننا صادفنا كذلك بعض المُتَحَدِثَة، وَجَمَعَنَا بهم جدال مضنٍ حول تاريخ القبيلة وطبائع أهلها، وكم حزَّ في خُلْجِي تناولهم المُؤَدْلَج للقبيلة وتاريخها وتقديمها بشكل سلبي، واقفين فقط على الأحداث السيئة السمعة في تاريخ هذه القبيلة، وأحيانا نجدهم ملفقين لها وقائع من صنع المخيلة، أو محرفين للأحداث، أو مزوِّرين لها بشكل تام. وحقيقة الحال لا تُخْفِي علينا الدَّوَاعي التي دفعت هؤلاء وأولئك إلى اختيار التعامل مع تاريخ القبيلة بأسلوب يستدعي منا اليوم إعادة النظر فيما خلص إليه من معطيات، وفيما قدمه من معلومات. علماً أن من حاولوا التوثيق لتاريخ زعير كانوا بَرَانِيِّينَ عن المنطقة. إذ لم يكن لأهل زعير حظ من التعليم، اللهم بعض طلبة القرآن الكريم القلائل الذين نالوا حظهم من حفظ كتاب الله على يد القائمين على الزوايا والكتاتيب القرآنية مقابل "الشرط" الذي جمعهم بالدواوير التي يقصدونها (في حديث قادم سوف أتطرق للزوايا وفروعها والدور الذي لعبه الأولياء الذين عرفوا بالمنطقة). ولم يشرع الزعريُّون في تعليم أبنائهم نظاميا إلا مؤخرا مع تأسيس المعمرين مدراس بقرى المنطقة بغية تعليم أبنائهم. ومن ثمة سجلت بعض الأسر أبنائها في مدارس المعمرين، خاصة منهم أبناء العمال الذين كانوا يشتغلون بالضيعات الفلاحية للمحتل. فكانوا يُشَجَّعُون على بعث أبنائهم للمدرسة من طرف مُلاَّك الضيعات الفرنسيين، والسبب الرغبة في تكوين جيل ثاني من العمال على قدرٍ من التعلم الذي يمكنهم من التواصل بسهولة مع مستخدميهم من جهة؛ ومن جهة أخرى تنفيذ المخطط الفرنسي الذي اعتبر أن التعليم هو المدخل الأساس لتنفيذ مخطط الاستيلاب الثقافي لأبناء المغاربة، وتكوين رعيل يعشق لغة موليير ويمجد فرنسا تاريخا وثقافة. الأمر الذي سَهَّلَ على الفرنسيين العودة من النافذة بعدما خرجوا من الباب مُرْغَمِينَ. والنَّافذة، هنا، ليست غير نافذة التأثير الثقافي البالغ على المغاربة، الذي هندس له جيدا رجالات الإيليزي. حتى صرنا اليوم لا نستطيع الانْفِكَاكَ من الصورة التي كوناها عن الآخر، كليشيهات موسومة بإعجاب مُفْرِطٍ وَوَلاَءٍ غير مشروط؛ فنُخْبَتُنَا الثقافية والسياسية ورجال المال والأعمال، بل حتى معظم مؤسساتنا الإدارية لم تتخلص من إستلهام، إن لم نقل نسخ طرق التدبير والتسيير الفرنسي للقطاعات العامة والخاصة على السواء. ولا زلنا نعتبر اللغة الفرنسية هي اللغة الثانية للبلاد ولا زال مسؤولنا لا يفقهون الحديث بلغة بلادهم، في الوقت الذي يتفوقون فيه أحيانا على الفرنسيين بالميلاد والأصول في الحديث والتفكير باللغة الفرنسية. وهكذا يظلون مَغْلُولِينَ وتُبَّعاً لِنَمَط عيشٍ وأسلوب اقتصاديٍّ، وأُفْقٍ إبداعٍ فرنسيّ بامتياز، ومن هنا لا يتوجهون حين يَتَقَلَدُون مناصب المسؤولية لغير الأم المربية (فرنسا)، ليَعْقِدُوا معها الشَرَكَات ويُفَوِّتُوا لها الامتيازات ويجلبوا منها الاستثمارات ويبحثوا في سياستها عن نماذج جاهزة لحل الأزمات، فيزرعونها بدون موائمة في تربة غير تربتها، مما يسهم في تسريع مدة نَفَقَانِهَا، أو أنها لا تأتي أُكْلَهَا أصلا، رغم الشَطَطِ في تسمِيدِها وَرَيِّهَا ريًّا. ويمكن لمن أراد أن يفهم ما ذهبت إليه من تحليل أن يدقق في الوثائق التي تتحدث عن المشروع الفرنكفوني المَخِيطِ بعناية. 

انخراط بعض أبناء زعير والعمال الوافدين على القبيلة في المدارس لم يغير من واقع حال عدم اهتمام أهل البلاد بتعليم أولادهم، إذ بقيت نسبة المتعلمين بالمنطقة قليلة. أما أبناء أعيان المنطقة فلم يهتموا بالتمدرس وهذه ظاهرة ظلت مستمرة إلى حد الآن، فالمُلاك الكبار للأراضي بالمنطقة لم يكونوا يرَوْنَ في تعليم أبنائهم فائدة ترجى، ماداموا يتوفرون على النفوذ والسلطة والمال الذي يغنيهم عن السلطة الرمزية التي يمكن أن يمنحها لهم القلم، وماداموا أنهم في حاجة إلى مساعدة أبنائهم لهم في تدبير وتسيير شؤون الزراعة وما يتعلق بها. وحتى ذاك الذي وَعَى بضرورة تدريس أبنائه من نخبة زعير لم يحقق سعيه، لأن البدخ والترف وتوفر الإمكانيات وارتباط الإنسان الزعري بـ "النشاط" صَدَّ أبنائهم عن نُشدان المعرفة، فمعظم أبناء النخبة الفلَاَّحَة الزعرية، كان همهم فقط تحصيل موسم فلاحي جيد ومنتج، كي يتمكنوا من التمتع بفصل الصيف الذي يكون حافلا بالاعراس والمواسم و "القصاير". وهكذا لم يستطع الغالبية العظمى من أبنائهم تجاوز الثانوي. اللهم أبناء البعض من الفلاحين الصغار أو العمال الفلاحيِّين، الذين كانوا يَتَوَخَوْنَ أن يسهم تعليم أبنائهم في تَبْوِيئِهِم المكانة التي ترفع من قدرهم الرمزي داخل القبيلة.
هكذا لم تجد زعير من يكتب تاريخيها بشكل يتميز بالاطلاع القريب والتام والإحساس بقيمة التوثيق للقبيلة (هناك كتاب لمحمد بن عمر بن سودة المشهور بالشيخ التاودي بعنوان قبيلة زعير قديما وحديثا، ولكنه يبقى كتابا وصفيا غير متعمق في التحليل). خصوصا أن صورة زعير وتاريخهم في أذهان بعض المغاربة صورة مشوهة، ملآى بأحكام مسبقة أريد لها أن تعبر عن المنطقة وتقدمها في تقويم بعينه، حتى أصبح يصعب على الجيل الحالي من المنطقة الاعتراف بانتمائه إلى القبيلة، فتجده يتوجس من نسبة أصله الزعري إليه، في الوقت الذي كان عليه أن يَصْدَحَ بهذا الانتماء القبلي لما للقبيلة من مكانة تاريخية وإقتصادية وسياسية وطبيعية مهمة. فيكفي أن يعلم أن قبيلته تعد من أكبر القبائل في المغرب من ناحية الإمتداد المساحاتي. وأهلها ينحدرون من القبائل العربية القحة، فالقبيلة انبثقت عن الفاتحين المستقدمين من الجزيرة العربية من منطقة الحجاز التي تحتضن مكة المكرمة و المدينة المنورة. كما أن لسانهم، كما يشهد بذلك كثير من الباحثين في اللسانيات، لا زال لسانا عربيا ينضح بالفصاحة رغم ما طرأ عليه من لحنٍ نتيجة عوامل التطور اللغوي وهذا أمر طبيعي. زيادة على موقعها الجغرافي الهام، إذ تقع زعير على أراضي خصبة تمتاز بوفرة المياه وتربة من أغنى التربات الفلاحية بالمغرب، وبإحاطة أهلها بأمور الزراعة وتربية المواشي. ما حدا بالمستعمر أن يحط رحاله بها ويجعل نشاطه الفلاحي مقوم استوطانه للمنطقة. ناهيك عن ما تتمتع به من ثروة غابوية شاسعة التي تغطي ثلث مساحة زعير، وهي موزعة بشكل متكافئ على الحيز الجغرافي لأراضيها، وتقدر هذه الثروة الغابوية بـ 125500 هكتارا، منها غابة تمارة المنزه، غابة كريفلة المشرع، غابة بني عبيد، غابة بورزم، غابة السلامنة، غابة واد عطاش، غابة سيبارة، غابة أكرو، وغابة واد تفسين، فغابة عين الخيل، ثم غابة الخطوات، بالاضافة إلى الغويبات المستحدثة والمنتشرة هنا وهناك، والغابات الخاصة. 
وبما أن تاريخ المنطقة المكتوب لا استقامة فيه، فُرِضَ كفايةً على مُثَقَفِي المنطقة الاهتمام بتاريخ أصولهم وتصويب ما شوه فيه، خصوصا أن جزء كبير من هذا التاريخ لا يزال مصونا في ذاكرة الأجداد، وبعضهم لا زال يعيش بين ظهرانينا - أطال الله عمرهم- بل إن التراث الشفهي للمنطقة والذي يمكن للمجتهد المهتم أن يعتمد عليه مخزون عند بعض الزعريين في شكل تسجيلات على أشرطة صوتية. وأقصد العيطة الزعرية التي كان يؤديها على السواء الشيخات و"الربايع" أو المجموعات الموسيقية التراثية كـ"الهياتة"، المتخصصين في "الهيث الزعري". فالعيطة الزعرية في نظري تعتبر مطمورة مليئة بأحداث مهمة يمكن من خلالها إستيقاء معلومات قيِّمَة، بل معرفة طباع بعض الشخصيات النافذة في تاريخ زعير، وعوائد القبيلة، والمحطات الاحتفالية الكبرى و"الحركات" التي قاموا بها ضد المستعمر، والجود والكرم وحب الإثار الذي يتميزون به بشكل ملفت حتى أن كرمهم أصبح مضربا للمثل عند القبائل الأخرى، وهو أمر ما فتؤوا معروفين به إلى حد الآن. 
ويكفي الزعري أن يعلم بأن قبيلته أنشأت رجالات وعلماء أمثال العلامة الكبير أبي العباس أحمد بن عبد القادر التستاوتي (1045- 1127هـ) أحد أعلام التصوف والأدب والشعر النبوي، حفيد العلامة الولي الصالح أبي عبد الله سيدي امحمد بن مبارك، و العلامة القاضي أبي عبد الله محمد بن المباركي الزعري. ولم تكن القبيلة عادمة لرجالات مقاومة أفذاذ، وقد أرجع القاضي محمد بن عمر بنسودة انطلاق الشرارة الأولى للمقاومة في المغرب برمته إلى قبيلة زعير سنة 1911 م، فكان أول شهيد سقط في معركة الشرف سي الهاشمي ولد بوفايد، فاندلعت شرارة المقاومة بعد ذلك إلى زيان ثم شبت في سوس وبعد ذلك عمت المقاومة المغرب أجمعه، ولما ضاقت زعير بالاستعمار وزاد الفرنسيون من عتاد وأعداد جيشهم بالمنطقة، صعبت بذلك المقاومة بحكم أن جغرافية زعير تتميز بالإنبساط، وبالتالي تقلصت حظوظ المقاومين في الاحتماء والتورية من جيوش المستعمر التي كانت تفوق عدة وعددا زمرة حاملي السلاح من الزعريين. وتسييج المستعمر للمنطقة وتطويقها بجيوشه وثكناته، وجَعْلِها حزاما واقيا ضد الهجمات التي يمكن أن تفاجئه بحكم قربها من الرباط، لم يطفئ الروح الوطنية القوية لهؤلاء المقاومين، الذين لم يجد عدد كبير منهم من جميع الأفخاذ والقبائل الزعرية بُدًّا عن الإلتحاق بقائد المقاومين في الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي وكذا موحى أو حمو الزياني بزيان... 
وكجميع المناطق بالمغرب استطاع المستعمر بعدما درس جيدا البلاد وذهنية المغربي آنذاك، خلق ثلة من الموالين له بمنطقة زعير، وعمل على استقطاب بعض الأعيان والقياد ووظفهم شعروا بذلك أم لا، ضد بلدهم وبني جلدتهم. فعملوا مرشدين للجيش الفرنسي ليلج بأقل الخسائر، ويوطد أقدامه بتراب القبيلة، وكجزاء على خيانتهم مُنِحوا امتيازات كبيرة، من أجل تحميسهم ضد عشيرتهم ودفعهم لمواجهم آهاليهم بغرض تطويعهم وإطفاء قبس النضال في قلوبهم. ومن المعروفين آنذاك بالولاء للدولة الفرنسية القايد عمار بن المنصر السلماني، والقايد عسو بن عبو السلماني، والقايد البشير ولد احراكة، والخليفة بوعزة السلماني، والخليفة العربي بن القايد سليمان الجزولي... وقد غرر المحتل عن طريق الترغيب والترهيب بعدد من الرجال ذوي الأصول الزعرية، أو الوافدين على المنطقة كي يصيروا عيونا وأسماعا حريسة على إلتقاط ورصد كل صغيرة وكبيرة في محيط بلاد زعير (سأعود للحديث بتفصيل عن الخونة من الزعير والعائلات التي كانت عميلة للمستعمر، وإغتنائها الكريه على حساب بيع الوطن، والتي للأسف حافظت على نفوذها وسلطتها ورقيها الاجتماعي إلى وقتنا الحالي). والقُوَّاد الذين تنصبوا بالمنطقة، بحكم أنهم كانوا من ذوي الجاه الوافر واليد الطويلة، تفننوا في الاستلذاذ بالحياة فكانوا يقيمون الولائم الضخمة مصحوبة بألوان الفرجة من شيخات وتبوريدة، على شرف كبار رجالات فرنسا وقد حميت هذه الحفلات بشكل زائد من طرف الفرنسيين فصعب على المقاومة المغربية إفسادها أو تعكير صفوها. وهكذا كان صيت هذه الولائم وشهرة هاؤلاء القواد يصل إلى كل أرجاء الوطن، فكان من المغاربة من يعتقد أن أصحاب هذي البلاد قد فتحوا أذرعهم واسعة لاحتضان المحتل. وذهبوا إلى اتهام أناس زعير بالتواطئ والخيانة. بيد أن الخونة هم القواد والكثيرين منهم لم يكونوا من الزعريين بل جلبوا من مناطق أخرى كي لا تأخدهم رحمة أو تتعالق قلوبهم مع أبناء المنطقة، فقد اختيروا بعناية من أجل خنق المقاومة الزعرية التي كانت تترصد المصالح الاقتصادية للمعمر، وتقصد تكبيده خسائر كبيرة بإتلاف محاصيله ومنتوجاته الفلاحية غير ما مرة. ونظرا لما خولته الإدارة الفرنسية لهؤلاء القواد من سلطة وامتيازات فقط مارسوا بطشا شديدا وعاتوا في الأرض فسادا، إذ كانوا يساعدون الفرنسيين في الضغط على أصحاب الأراضي لبيعها لهم بأثمنة زهيدة، أو نزعها قصرا، أو النصب عليهم مستغلين جهلهم. كما أنهم قيدوا بإسمهم كثيرا من الأراضي التي غادرها أهلها لكي لا يضطروا لبيعها إرغاماً. علما أنه في ذلك الوقت لم يكن الناس يهتمون بتحفيض وتسجيل أراضيهم مما سهل عملية الترامي عليها. والمحاكم المغربية لا زالت تستقبل قضايا النزاعات حول ملكية الأراضي من هذا القبيل (سوف أتطرق لبعض النماذج). 
ومن المعارك المعروفة في القبيلة ضد المستعمر المعركة التي وقعت بتراب أولاد اخليفة حداة طالعوك في يوليوز 1911، ومعركة الفج جانب سهب رياح متواجد ما بين أولاد علي وأولاد عمران، ومعركة سيدي محمود ليس ببعيد عن مرشوش، ومعركة مرزاكة بالنجدة، ومعركة سي تيسيلي بتراب المراكشية، ومعركة الرماني وقد قتل فيها ضابط مارشال. ومعركة الطوالع بالنغامشة، ومعركة ازحيليكة وقتل فيها القبطان كريستيان، ومعركة قطب العبد بأولاد موسى، ومعركة ولجة العظام بالرواشد، ومعركة الرويف بالغوالم، وغيرها من المعارك التي سقط فيها العديد من الشهداء من أبناء زعير دفاعا عن وطنهم، كما أكالوا فيها المستعمر شديد الفسائد في الأرواح والدخيرة. لكن تفوق العدو عدة وقوة وتنظيما، جعل رؤوس المقاومة يفرون من موت محقق يترصدهم لتدعيم إخوانهم بالثغور الأخرى بالمغرب، خصوصا مع شروع العسكر الفرنسي في قنص رؤوس المقاومة أوسجنهم. (هذا فقط مدخل للمشروع الذي أنا منهمك في الاشتغال عليه).
نستخرج بشكل مختصر جدا من هذه التقديم العام، أن زعير رغم أهميتها كمنطقة استراتيجية، عانت من تهميش مقصود على مستوى التنمية، باعتبارها من بلاد السيبة. وكما هو معروف في التاريخ أنه قديماً كان يقسم المغرب إلى مناطق تسمى بـ "بلاد السيبة" ومناطق تسمى بـ"بلاد المخزن"، وبلاد السيبة هاته هي المناطق التي تمردت على المخزن ورفضت قبائلها الخضوع لسلطة السلطان المدني وامتنعوا عن دفع الضرائب له، وقد كانت هذه القبائل تنزع إلى الانفلات من الرقابة وشق عصا الطاعة، ويميل أهلها لتسيير شؤونهم بأنفسهم. وهذا ما يبرر أن زعير قديما لم يكونوا من حملة القلم، بل من حملة السيف، لأن القلم يحتاج للاستقرار والانضباط. أما الزعريون فقد كانوا أناسا ثوارا دائمي "الحركات" ومتمرسين على المعارك مع السلطة المركزية التي كان تود إخضاعهم. وربما هذا ما يفسر تحالف بعضهم مع المستعمر، وكأنه نوع من التشفي في المخزن، الذي لم يمنحهم ما منحهم إياه المستعمر من سلطة وإمكانيات. لكن شخصية الإنسان الزعري اليوم لا ينبغي النظر إليها من منظار الأمس، فقط عرفت تطورات جدرية من حيث تعامله ونظرته إلى المخزن، نتيجة الوصاية التي مورست عليه، وسنين من سياسة التطويع، وتفكيك القبيلة وإضعافها عن طريق تقسيم إداري حل لحمة المصالح التي كانت تجمعها. حتى عادت قبيلة زعير أكثر خشية من غيرها من المخزن واحتراما له، والأمثال التي أصبح يرددها الأهالي كـ قولهم: "الخوف من الله والعافية والمخزن؛ الله يجعل البركة فالمخزن؛ لي قالها المخزن هي لكاينا" وغيرها من الأمثال دالة على هذا التحول في نظرتهم إلى الإدارة المخزنية. وهي نظرة انبهار بالسلطة التي إلى الآن يسعون إلى كسب ودّ من يتمتع بها. 
وعصارة القول في نهاية هذا التمهيد، أنه لفهم أسباب التهميش الذي مورس على المنطقة لا بد من الاطلاع على التاريخ وقراءته بكيفية صحيحة. ولربما إخراج تاريخ القبيلة من الدولاب سيجعل الأجيال القادمة يستعيدون ذاكرتهم، ويفكوا الحسار الذي ضرب على المنطقة لمدة طويلة. لأنه لا مستقبل لمن لا حاضر له، ولا حاضر لمن لا ماضي له.

ملتمس: إذا ما كنت أيها القارئ الكريم تتوفر على بعض المراجع و الوثائق أو معلومات موثوقة، يمكن أن تسهم في التوثيق لذاكرة زعير قديما وحديثا، وترغب في أن يستثمرها الباحثون في تاريخ القبيلة من أجل الإسهام في كتابة تاريخ المنطقة. فالمرجو التواصل مع الكاتب على بريده الإلكتروني أو الاتصال به 

إرسال تعليق

0 تعليقات